"بات أثمن من الذهب".. أطفال غزة ينتظرون رغيف الخبز ببطون آلمها الجوع
"بات أثمن من الذهب".. أطفال غزة ينتظرون رغيف الخبز ببطون آلمها الجوع
اصطف آلاف الفلسطينيين في طابور بدا بلا نهاية، تحت شمس حارقة، عند محور ميراج جنوب مدينة خان يونس، وجوههم المتعبة، وأيديهم الممتدة، كانت تنتظر شاحنة واحدة، قد لا تحمل لهم سوى كيس طحين أو بعض الأرز.
في قطاع حاصرته المجاعة من كل الجهات، صار الطحين أثمن من الذهب، وصارت العودة إلى البيت بكيس من القمح انتصارًا صغيرًا يُبكي العائلة فرحًا.
واحتشد رجال ونساء وأطفال، اليوم الثلاثاء، حول ممرات دخول المساعدات، بعضهم يسير عشرات الكيلومترات على الأقدام، فقط ليظفر بما يسد الرمق لأيام قليلة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأظهرت مشاهد مصورة آلاف الفلسطينيين ينتظرون على طول الطريق عند محور ميراج، في مشهد جسد حجم المأساة التي يعيشها السكان، وسط أزمة غذائية غير مسبوقة.
في لقطة وثقتها عدسة كاميرا محلية، انفجرت دموع أطفال حين عاد والدهم إلى البيت بكيس طحين بعد ساعات من الانتظار تحت التهديد والمجهول، كانت أذرعهم الصغيرة تحتضنه لا لأنهم اشتاقوا فقط، بل لأنهم جاعوا طويلاً.
وعود لا تكفي لإطعام الجياع
جاءت هذه المشاهد بعد إعلان الجيش الإسرائيلي مساء السبت عن "هدنة إنسانية مؤقتة" في مناطق مكتظة بالسكان، مع فتح ممرات لإدخال المساعدات وتنسيق عمليات الإسقاط الجوي بالتعاون مع منظمات دولية. لكن حجم الاحتياج لا يزال أكبر من كل الإمدادات، والمجاعة لا تنتظر الموافقات.
وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية بلغ حتى يوم الاثنين، 147 حالة وفاة، بينهم 88 طفلاً، في وقت سُجلت فيه 14 حالة وفاة جديدة خلال 24 ساعة فقط.
وفي ظل غياب الإمدادات الكافية وتدمير سلاسل الإمداد الغذائي، تحذر منظمة الصحة العالمية واليونيسف من أن الأطفال دون سن الخامسة يواجهون "خطرًا وجوديًا" بسبب سوء التغذية الحاد الذي بلغ "مستويات مقلقة جدًا" قد تؤثر عليهم مدى الحياة.
أطفال لا يعرفون طعم الحليب
تجلس أم يزن، وهي أم لأربعة أطفال، عند مدخل أحد المراكز المؤقتة لتوزيع المساعدات، تمسك بيد ابنها الأصغر الذي لا يتجاوز عامه الثالث وقد بدت عليه علامات الهزال الشديد.
تقول بنبرة تخنقها الدموع: "طفلي لا يعرف طعم الحليب منذ أشهر.. لم أعد أطلب شيئًا سوى أن ينام أولادي دون بكاء جوع".
وتتحدث سعاد، شابة في العشرين من عمرها، عن شعورها بالخجل والمرارة في كل مرة تضطر فيها للوقوف في الطابور للحصول على طرد غذائي: "لم أكن أتخيل أنني سأقاتل من أجل كيس رز، ولكن ما البديل؟ نحن لا نعيش.. نحن ننتظر الموت ببطء".
الجوع لا يرحم
في هذا المشهد الذي يبدو أقرب إلى كابوس جماعي، تتلاشى ملامح الحياة اليومية التي كانت مألوفة يومًا ما. وتصبح المساعدات الدولية شريان الحياة الوحيد، الذي بالكاد ينبض.
ومع تعثر إدخال المساعدات وانتشار المجاعة، لم تعد الكارثة في غزة أزمة إنسانية فقط، بل مأساة وجودية.